فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولو أن قرآنًا سُيِّرت به الجبال أو قطعت به الأرض} الآية.
وسبب ذلك ما حكاه مجاهد وقتادة أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن يسرَّك أن نتبعك فسيِّرْ جبالنا حتى تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، وقرب لنا الشام فإننا نتَّجر إليها، وأخرج لنا الموتى من القبور نكلمها، فأنزل الله تعالى. {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال} أي أُخرت. {أو قطعت به الأرض} أي قربت.
{أو كُلِّم به الموْتَى} أي أُحيوا.
وجواب هذا محذوف وتقديره لكان هذا القرآن، لكنه حذف إيجازًا لما في ظاهر الكلام من الدلالة على المضمر المحذوف.
ثم قال تعالى: {بل للهِ الأمر جميعًا} أي هو المالك لجميع الأمور الفاعل لما يشاء منها.
{أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا} وذلك أن المشركين لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه استراب المؤمنون إليه فقال الله تعالى: {أفلم ييأس الذين آمنوا}.
وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه أفلم يتبين الذين آمنوا، قاله عطية، وهي في القراءة الأولى: أفلم يتبين الذين آمنوا. وقيل لغة جرهم: {أفلم ييأس} أي يتبين.
الثاني: أفلم يعلم، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، ومنه قول رباح ابن عدي:
ألم ييأس الأقوام أنِّي أنا ابْنُهُ ** وإن كنتُ عن أرض العشيرة نائيا

الثالث: أفلم ييأس الذين آمنوا بانقطاع طمعهم.
وفيما يئسوا منه على هذا التأويل وجهان:
أحدهما: ييأسوا مما سأله المشركون، قاله الفراء.
الثاني: يئسوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائي.
{أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا} فيه وجهان:
أحدهما: لهداهم إلى الإيمان.
الثاني: لهداهم إلى الجنة.
{ولا يزال الذين كفروا تصيبهُم بما صنعوا قارعة} فيها تأويلان:
أحدهما: ما يقرعهم من العذاب والبلاء، قاله الحسن وابن جرير.
الثاني: أنها الطلائع والسرايا التي كان ينفذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عكرمة.
{أو تحل قريبًا من دارهم} فيه وجهان:
أحدهما: أو تحل القارعة قريبًا من دارهم، قاله الحسن.
الثاني: أو تحل أنت يا محمد قريبًا من دارهم، قاله ابن عباس وقتادة.
{حتى يأتي وَعْدُ الله} فيه تأويلان:
أحدهما: فتح مكة، قاله ابن عباس.
الثاني: القيامة، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَوْ أَنَّ قُرْءانًا}
ويحتمل قوله: {ولو أن قرآنا} الآية، أن يكون متعلقًا بقوله: {وهم يكفرون بالرحمن} فيكون معنى الآية الإخبار عنهم أنهم لا يؤمنون ولو نزل قرآن تسير به الجبال وتقطع به الأرض- هذا تأويل الفراء وفرقة من المتألين- وقالت فرقة: بل جواب: {لو} محذوف، تقديره: ولو أن قرآنا يكون صفته كذا لما آمنوا بوجه، وقال أهل هذا التأويل- ابن عباس ومجاهد وغيرهما- إن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أزح عنا وسير جبلي مكة فقد ضيقا علينا، واجعل لنا أرضنا قطع غراسة وحرث، وأحي لنا آباءنا وأجدادنا وفلانًا وفلانًا- فنزلت الآية في ذلك معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله، وقالت فرقة: جواب: {لو} محذوف، ولكن ليس في هذا المعنى، بل تقديره: لكان هذا القرآن الذي يصنع هذا به، وتتضمن الآية- على هذا- تعظيم القرآن، وهذا قول حسن يحرز فصاحة الآية.
وقوله: {بل لله الأمر جميعًا} يعضد التأويل الأخير ويترتب مع الآخرين.
وقوله: {أفلم ييئس الذين آمنوا} الآية،: {ييئس} معناه: يعلم، وهي لغة هوازن- قاله القاسم بن معن- وقال ابن الكلبي: هي لغة هبيل حي من النخع، ومنه قول سحيم بن وثيل الرياحي: الطويل:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ** ألم تيئسوا أني ابن فارس زهدم

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله: {ولو أن قرآنًا} الآية- على التأويلين في المحذوف المقدر- قال في هذه الآية: أفلم ييئس المؤمنون من إيمان هؤلاء الكفرة، علمًا منهم: {أن لو يشاء لهدى الناس جميعًا}.
وقرأ ابن كثير وابن محيصن: {يأيس} وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن أبي مليكة وعكرمة والجحدري وعلي بن حسين وزيد بن علي وجعفر بن محمد: {أفلم يتبين}.
ثم أخبر تعالى عن كفار قريش والعرب أنهم لا يزالون تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته.
وفي قراءة ابن مسعود ومجاهد: {ولا يزال الذين ظلموا} ثم قال: {أو تحل} أنت يا محمد: {قريبًا من دارهم} هذا تأويل فرقة منهم الطبري وعزاه إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة- وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى: {أو تحل} القارعة: {قريبًا من دارهم}.
وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير: {أو يحل} بالياء: {قريبًا من ديارهم} بالجمع.
و{وعد الله}- على قول ابن عباس وقوم- فتح مكة، وقال الحسن بن أبي الحسن: الآية عامة في الكفار إلى يوم القيامة، وأن حال الكفرة هكذا هي أبدًا. و: {وعد الله}: قيام الساعة، و: {القارعة}: الرزية التي تقرع قلب صاحبها بفظاعتها كالقتل والأسر ونهب المال وكشف الحريم ونحوه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولو أن قرآنًا سُيِّرت به الجبال}
سبب نزولها أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو وسَّعت لنا أودية مكة بالقرآن، وسيَّرت جبالها فاحترثناها، وأحييت من مات منا، فنزلت هذه الآية، رواه العوفي عن ابن عباس.
وقال الزبير بن العوّام: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يسيِّر عنا هذه الجبال ويفجِّر لنا الأرض أنهارًا فنزرع، أو يحيي لنا موتانا فنكلمهم، أو يصيّر هذه الصخرة ذهبًا فتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فقد كان للأنبياء آيات، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إِلا أن كذَّب بها الأولون} [الإسراء: 59].
ومعنى قوله: {أو قطِّعت به الأرض} أي: شقِّقت فجُعلت أنهارًا،: {أو كلِّم به الموتى} أي: أُحيوا حتى كلّموا.
واختلفوا في جواب: {لو} على قولين:
أحدهما: أنه محذوف.
وفي تقدير الكلام قولان: أحدهما: أن تقديره: لكان هذا القرآن، ذكره الفراء، وابن قتيبة.
قال قتادة: لو فُعل هذا بقرآن غيرِ قرآنكم.
لفُعل بقرآنكم.
والثاني: أن تقديره: لو كان هذا كلّه لما آمنوا.
ودليله قوله تعالى: {ولو أننا نزَّلنا إِليهم الملائكة...} إِلى آخر الآية [الأنعام: 111]، قاله الزجاج.
والثاني: أن جواب: {لو} مقدَّم، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنزلنا عليهم ما سألوا، ذكره الفراء أيضًا.
قوله تعالى: {بل لله الأمر جميعًا} أي: لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإِذا لم يشأْ، لم ينفع ما اقترحوا من الآيات.
ثم أكد ذلك بقوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أفلم يتبيَّن، رواه العَوفي عن ابن عباس، وروى عنه عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك، ويقول: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وأبي مالك، ومقاتل.
والثاني: أفلم يعلم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد.
وقال ابن قتيبة: ويقال: هي لغة للنَّخَع: {ييأس} بمعنى: {يعلم} قال الشاعر:
أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي ** أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فَارِسَ زَهْدَمِ

وإِنما وقع اليأس في مكان العلِم، لأن في علمك الشيء وتيقُّنك به يأسَك من غيره.
والثالث: أن المعنى: قد يئس الذين آمنوا أن يَهدوا واحدًا، ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا، قاله أبو العالية.
والرابع: أفلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائي.
وقال الزجاج: المعنى عندي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إِيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون، لأنه لو شاء لهدى الناس جميعًا.
قوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم جميع الكفار، قاله ابن السائب.
والثاني: كفار مكة، قاله مقاتل.
فأما القارعة، فقال الزجاج: هي في اللغة: النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم.
وفي المراد بها هاهنا قولان:
أحدهما: أنها عذاب من السماء، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: السرايا والطلائع التي كان يُنفِذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عكرمة.
وفي قوله: {أو تَحُلُّ قريبًا من دارهم} قولان:
أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: أو تَحُلُّ أنت يا محمد، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة.
والثاني: أنها القارعة، قاله الحسن.
وفي قوله: {حتى يأتيَ وعد الله} قولان:
أحدهما: فتح مكة، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: القيامة، قاله الحسن. اهـ.